20 Feb 2009

أحمدي نجاد والعلاقات الأمريكية الإيرانية

إذا كانت مقابلة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي مع محطة السي إن إن في أواخر عام 1997ØŒ والحديث عن ضرورة فتح المجال إمام حوار جدي بشأن العلاقة مع واشنطن والتأكيد بأن مشكلة إيران ليست مع الشعب الأمريكي وإنما مع السياسات الأمريكية – قد هدأت من حرارة التوتر بين واشنطن وطهران، فإن تصريحات الرئيس احمدي نجاد في أول مؤتمر صحفي له في أغسطس 2005 Ùˆ تأكيده بأن إيران”لا تحتاج أمريكا” قد زادت من حرارة التوتر بين البلدين لتسير مسرعة نحو مواجهة لا يبدو أنها بعيدة.
لقد كانت العلاقة الإيرانية الأمريكية جزءا من الحقائق التي تشكل دائرة التحالفات داخل النخبة السياسية الإيرانية، كما تحدد طبيعة ومسار النقاش السياسي داخل تلك النخبة، إضافة إلى ذلك فأنها مفردة أساسية ستحدد مسار النظام في العقد أو العقدين القادمين. لا شك أن التاريخ يلعب دورا في الاهتمام الأمريكي والذي جعل إيران أيضا جزء من الحقائق الهامة داخل خريطة الحزبين الأمريكيين طوال القرن العشرين ، فالولايات المتحدة التي اعتمدت على إيران أكثر من ثلاثة عقود لتعميق حضورها السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط من جهة، و كذلك الوقوف على الحدود الجنوبية لما كان يعرف بالتحاد السوفيتي- لم تستطع أن تقبل ولا أن تتحمل أن تخرج إيران من تحت عباءتها، ولم يقف الأمر عند الخروج من تحت العباءة بل أن إيران بسياستها الخارجية وشكل نظامها السياسي أصبحت تحديا أمنيا وسياسيا للمصالح الأمريكية في منطقتين هامتين هما الشرق الأوسط وأواسط آسيا.
لقد كان الدور الأمريكي-المعادي وفق النظرة الإيرانية- في قضية تأميم النفط عام 1951، والذي اعتذرت عنه واشنطن لاحقا -1999- عبر وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت- احد العوامل التي استفاد منها النظام السياسي في إيران بعد الثورة لحشد الشعب الإيراني حول سياسة العداء لأمريكا، صحيح أن هذه السياسة لم تستمر طويلا تحظى بدعم قاعدة عريضة من الشعب الإيراني ، لكنها كانت مفيدة في بدايات تشكيل النظام، وهو الأمر الذي لا يجب التقليل من أهميته.
الأمر الأخر الذي كان ولازال يلقي بظلاله على علاقات واشنطن وطهران هو الأداء العام للسياسة الخارجية الإيرانية، فالصراع العربي الإسرائيلي الذي تسعى واشنطن إلى إيجاد حل سلمي له يبدو أنه يترنح، والسبب وفق الرؤية الأمريكية هو دور إيران-الدولة المارقة- في دعم حركات مثل حماس وحزب الله ترى إيران أنها حركات مقاومة وترى واشنطن أنها إرهابية تهدد الأمن في منطقة الشرق الأوسط. ولا يقف الحد عند الشرق الأوسط بل يتجاوزه إلى حضور إيران القوي في أواسط أسيا، والتحالفات التي تعقدها مع دول معادية لأمريكا في أمريكا الجنوبية. وفي السياق نفسه ترى طهران أن السياسة الخارجية الأمريكية ما هي إلا استمرا لسياسات استعمارية هدفها التجاوز على حق الشعوب ونهب خيراتهم. هذا الفهم النظري للسياسة الخارجية الأمريكية يعكسه ما تبدية السياسة الخارجية الإيرانية من –حرص على مساعدة المستضعفين وحركات التحرر في العالم كما يسميهم الدستور الإيراني في المواد 152و154وهو الأمر الذي جعل ليس فقط الولايات المتحدة تتخوف من إيران بل ودول الجوار الإيراني في منطقة الشرق الأوسط كذلك.
يلقي الأداء السياسي للسياسيين أيضا بظلاله على تطورات العلاقات بين البلدين، فعلى سبيل المثال كان تصريحات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن حول” إيران كجزء من محور الشر” عام 2003 سببا وراء توقف مباحثات (المستوى الثاني) بين الإيرانيين والأمريكيين والتي بدأت بعد هجمات سبتمبر 2001ØŒ كما أن تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حول إسرائيل وإنكار الهولوكوست كانت سببا أخر في تأزم العلاقة غير الحسنة أصلا بين واشنطن وطهران.لقد عكست زيارة الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الأخيرة إلى نيويورك والتي أعلن فيها أن ملف إيران النووي بالنسبة إلى إيران قد أغلق، وكذلك زيارته إلى جامعة كولومبيا والتأثير الذي تركته تصريحاته داخل الولايات المتحدة، اذ لم يتردد رئيس الجامعة في وصف الرئيس الإيراني بأنهدكتاتور وحشي ينكر محرقة الهولوكوست، وهو “ما يثبت أنه إما مستفز بشكل صارخ، أو جاهل بشكل مدهش”.“.
ليس دقيقا القول أن الملف النووي وتطوراته هما الأسباب الحقيقية في اتساع الفجوة بين واشنطن وطهران وتزايد الروح العدائية بين الإدارتين، أن الانطباع الموجود لدى كل طرف عن الطرف الأخر، وكذلك مسألة التصور عن طبيعة النظام السياسي تشكلان العوامل الأساسية وراء نمو هذه الروح. وأخيرا لا يجب أن لا نقلل من التعارض في المصالح بين البلدين وهو الأمر الذي يدفع إلى تصوير الأخر كخطر من الضرورة مواجهته بكل الوسائل، الأمر الذي يبدو أن نتائجه لن تدفع باتجاه مزيد من الاستقرار والأمن في عالم تزيد عوامل استقراره يوما بعد يوم
.